بقلم: ورلد توداي// ستكون آسيا الوسطى حلقة وصل مركزية لنقل مشروع الصين الإقليمي للتنمية المعروف باسم مبادرة الحزام والطريق التي تعد بإحياء الروابط بين الشرق والغرب، وإذا لم يتم تنظيم الاهتمام المتزايد من جانب شركات الأمن الخاصة في هذه المنطقة فسيفضي ذلك الى إلحاق الضرر بالاستقرار والتعاون الإقليمي فيها.
أسهم الاستخدام المتزايد لشركات الأمن الخاصة والمتعاقدين العسكريين في تغيير نهج الحرب في السنوات الأخيرة. وفي سورية واليمن وأفغانستان وغيرها تتفوق مجموعات صغيرة من النخبة تتكون من 15 رجلاً أو أقل على القوات التقليدية، وأصبحت الأسلحة والسلطة في أيدي مجموعات خاصة بدلاً من الدولة، ونتيجة لذلك يمكن أن تتقوض سلطة الدولة وأن تتلاشى الثقة بين الحكومات.
وتبرز آسيا الوسطى الآن على شكل خط جبهة لعمليات تقوم بها شركات أمن خاصة، وستكون هذه المنطقة حلقة وصل مركزية لنقل مشروع الصين الإقليمي للتنمية المعروف باسم مبادرة الحزام والطريق التي تعد بإحياء الروابط بين الشرق والغرب، وإذا لم يتم تنظيم الاهتمام المتزايد من جانب شركات الأمن الخاصة في هذه المنطقة فسيفضي ذلك الى إلحاق الضرر بالاستقرار والتعاون الإقليمي فيها.
وقد نمت شركات الأمن الصينية بعد أن تعرض أحد عشر عامل بناء صيني يعملون في مشروع البنك الدولي في أفغانستان إلى القتل على يد حركة طالبان في عام 2004، وقبل عام 2006 عندما تأسست إدارة الشؤون الأمنية الخارجية الجديدة كانت السفارات الصينية تحصل على قدر قليل من الإسناد في حال تعرض المواطنين الصينيين الى هجوم أو كانوا في حاجة الى إجلاء.
الطلب على الأمن وفي حين كانت الحكومة الصينية تتردد في إرسال قوة من رجال الشرطة لحماية مصالحها في الخارج فإن توسع الصين في إفريقيا والمناطق غير المستقرة الأخرى حول العالم عزز الطلب على إجراءات الأمن الخاصة، وبين 2006 و2010 اضطرت حكومة بكين الى إنقاذ 6000 مواطن صيني من عدد من الدول بما فيها تشاد ولبنان وتيمور الشرقية وجزر سليمان وتونغا وهايتي.
وفي عام 2011 استدعت الحاجة عمليات إجلاء 48 ألف مواطن صيني في ليبيا ومصر. وربما دفعت التكلفة المتزايدة والعقبات المتعلقة في تنسيق جهود الإجلاء الى إعادة تقييم الحكومة الصينية لاستراتيجيتها الخاصة بالأمن بالنسبة الى مواطنيها العاملين في الخارج، كما أن التجارب السابقة التي اعتمدت على توظيف عناصر أمن غربية كانت مخيبة وخدمت فقط في زيادة الطلب على شركات أمن محلية، واللافت أن الدافع لتأسيس هذه الشركات الأمنية الصينية كان مدفوعاً بحوافز السوق لا اعتبارات سياسية.
وكانت أول شركتي أمن برزتا في الصين هما خدمة أمن بكين وهوا زن جونغ، وقد عرضتا إجراءات أمن أساسية للزبائن العاملين في البر الصيني مع قدر قليل من الاهتمام بقارة إفريقيا. وبحلول عام 2010 ظهرت شريحة جديدة من شركات الأمن عرضت قوات خاصة عالية التدريب من أجل حماية العاملين الصينيين في شركات نفط وغاز مملوكة للدولة أو البنوك العاملة في أماكن مثل العراق وأفغانستان أو باكستان. وشملت هذه الشريحة مجموعة شاندونغ هواوي الأمنية، وكانت الشركة الصينية الأولى التي فتحت مكتباً لها في الخارج و(دي وي) الأمنية التي تعمل في 37 دولة، وأدت دوراً حيوياً في إجلاء رعايا من مناطق حرب إفريقية. وقد وجدت شركات أمنية مثل دنغ تاي آن يوان أسواقاً جديدة تعالج تحديات فريدة تلائم مبادرة الحزام والطريق.
وكانت إفريقيا المنطقة الرئيسة لعمل هذه الشركات الصينية، ولكن مع توسع مبادرة الحزام والطريق عبر آسيا الوسطى ربما تتوجه موارد تلك الشركات الى هناك. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ادت الصين منذ انهيار الاتحاد السوفياتي دوراً تمثل في تطوير علاقات أوثق مع آسيا الوسطى من خلال ترتيبات أمنية، وقد نجح إطار عمل مجموعة شنغهاي التي تضم الصين وكازاخستان وقرغيزستان وروسيا وطاجيكستان في حل نزاعات الحدود بين الدول الأعضاء ثم توسع الى منظمة شنغهاي للتعاون لخلق منصة للتعاون حول محاربة الإرهاب. وفي السنوات الأخيرة دخلت المصالح الاقتصادية الصينية الصورة وكانت مصالح النفط والغاز على سبيل المثال في آسيا الوسطى تنمو في كل سنة وتتحدى هيمنة مجموعات الطاقة الروسية غازبروم وليوكاويل، وتمثل أحد المشاريع الصينية في خط أنابيب الغاز بين تركمنستان والصين الذي يمر عبر كازاخستان وأوزبكستان.
وفي كازاخستان وقرغيزستان وأوزبكستان استثمرت المشاريع الصينية المملوكة للدولة بقوة في ميادين الطاقة والبنية التحتية والأعمال اللوجستية، وساعدت في ربط الصين مع أسواق الشرق الأوسط وتستمر المشاريع والقوة العاملة الصينية في التدفق على هذه المنطقة، ومن الطبيعي ظهور تحديات أمنية جديدة هناك. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف ستختار الشركات الصينية طريقة حل هذه التحديات الجديدة؟ ويعتقد مراقبون غربيون أن شركات الأمن تستطيع حماية المصالح الصينية في آسيا الوسطى كما فعلت في القارة الإفريقية، وعلى أي حال لا يوافق مراقبو آسيا الوسطى على ذلك وبخلاف الكثير من الدول الإفريقية تملك دول آسيا الوسطى قوات عسكرية فعالة تستطيع التعامل مع التهديدات الأمنية لأن الاستقرار في سياستها الخارجية يشكل خطوة مهمة، وعلى سبيل المثال فإن كازاخستان وأوزبكستان تصنفان بين جيوش أقوى 50 دولة في العالم، بحسب غلوبال فايرباور. التحديات الأمنية لا ينبع معظم التحديات الأمنية التي تواجه الشركات الصينية من عدم قدرة دول آسيا الوسطى على توفير الأمن الأساسي، بل من النزاعات بين السكان المحليين والعمال والخوف المتجذر من أن تدفق العمال الصينيين قد يؤثر على التركيبة الديمغرافية هناك.
وظهرت الأمثلة عبر النزاعات بين السكان المحليين والعمال في سنة 2014 في مصفاتين للنفط تملكهما شركة البناء الصينية جونغدا في قرغيزستان، وقد تدخلت حكومة قرغيزستان بنجاح في العمليتين وأبعدت بعض العمال الصينيين المشاغبين. وحدث النوع الأخير من التحدي الأمني في كازاخستان في مطلع عام 2016 عندما تجمع الآلاف من المحتجين ضد إصلاح الأراضي الذي اقترحته حكومة كازاخستان في المدن النفطية في أتيراو وأكاتو لأنهم كانوا يخشون أن يسمح القانون الجديد للمستثمرين الصينيين بشراء أرض كازاخستان. وفي بعض الحالات أخذت التحديات الأمنية صورة هجمات إرهابية كما حدث في الهجمات الانتحارية ضد السفارة الصينية في بيشكيك من جانب سكان محليين يرتبطون بالانفصاليين الإيغور التي أسفرت عن جرح ثلاثة من موظفي السفارة المحليين.
خطوات الشركات الصينية هذه الحوادث قد تغري الشركات الصينية على ضمان مشاريعها باستخدام شركات أمن خاصة، ومع ازدياد قيمة وعدد الاستثمارات الصينية مع مبادرة الحزام والطريق فإن خطر تورط شركات الأمن وتكاثرها سيزداد في آسيا الوسطى، وحتى الآن التزمت الشركات الصينية بالقوانين المحلية وشاركت بالخدمات الأساسية التي يوفرها حراس الأمن المحليون من غير المسلحين.
وإذا قررت الشركات الصينية في المستقبل إشراك شركات أمن خاصة فسيكون من المهم تخيل السمات التي ستميز تلك الشركات، وتذكرنا التجربة الحديثة بأن الشركات الصينية تفضل شركات الأمن الصينية، وعلى أي حال، مع ظهور شركات هجينة مثل مجموعة فرونتير سيرفيسز أصبحت الخطوط ضبابية، ويعتقد أليساندرو أردوينو وهو خبير في شركات الأمن الصينية أن الربحية العالية لشركات الأمن الخاصة قد تزيد الانتشار في آسيا الوسطى بالنسبة إلى المتعاقدين الروس مع الخبرة القتالية التي اكتسبوها في دونباس وسورية لأن اللغة الروسية مهمة في تلك المنطقة، وقد تفادت شركات الأمن الصينية تشغيل المواهب الأجنبية لكن هذا لا ينسحب على الشركات الهجينة.
وإذا بدأت شركات الأمن الصينية التي تخضع لإدارة غربية بتشغيل متعاقدين روس فسينطوي ذلك على مضاعفات بالنسبة الى الأمن الاقليمي، وقد اتخذت دول آسيا الوسطى استعدادات محدودة مفاجئة للتعامل مع النمو المحتمل السريع لهذه الشركات الأمنية الهجينة في آسيا الوسطى، فيعتقد أكرم أوماروف وهو عالم سياسة أوزبكي أنه لا يمكن استبعاد وصول شركات أمن صينية الى آسيا الوسطى، وفي الوقت ذاته تلاحظ آنا غاساروفا وهي مديرة كازاخستانية لمعهد آسيا الوسطى للدراسات الاستراتيجية أن هذا الموضوع لم يطرح قط من قبل باحثين إقليميين، كما يعتقد عبدالغني محمدزيوف، وهو عالم سياسة طاجيكي، أن شركات الأمن الصينية ستواجه عدداً من التحديات لدى قدومها الى المنطقة، وأن الحكومة الصينية لن تسمح بحدوث هذا في طاجيكستان نظراً للعلاقات الأمنية الوثيقة الروسية مع تلك الدولة.
ويتمثل الحل الأفضل بالنسبة إلى دول آسيا الوسطى بالنظر إلى هذه التحديات الأمنية على شكل فرص لتعميق التعاون مع الحكومة الصينية من خلال الأقنية القائمة للتعاون العسكري والمدني.