محمد المختار ولد اباه … قرن من الكفاح العلمي المظفر

بقلم: إبراهيم الدويري // معالم حياة: كتب الدكتور محمد المختار ولد اباه خلال مسيرته العلمية الحافلة مئات التراجم لعلماء الإسلام من قراء ومحدثين وفقهاء ومتصوفين ونحاة وشعراء، ومارس أخبار الرجال ومارستْه تراجمهم ومصنفاتهم وأفكارهم حتى أضحى التعريف بالأعلام ملكة من ملكاته العلمية الكثيرة؛ فلَكَم اختصر حياة طويلة لعالم في أسطر موجزة فأحاط بمعالم حياته إحاطة العالم المتمكن والباحث البصير، وحين وصل إلى التعريف بنفسه في ’رحلة مع الحياة’ لم تخنه ملكته وإن غلبه التواضع الصحراوي فقال عن نفسه “لقد كنت مثل سائر أولئك الذين كتب لهم أن يوجدوا وأن يولدوا على الفطرة، ونشأت في واحة من الطمأنينة الثابتة بين مجتمع معتقداته مطلقة، وحياته سعيدة في ظل شظف العيش”.

وتابع “وانتهت بي أيام الصبا مع الحرب العالمية الثانية التي قوضت معالم الحياة التي ألفت، فأخرجت من جنة المحيط البدوي البسيط إلى معترك حياة لم أك مهيأ لخوضه، وأُقحمت في صراع لا أتحكم في عوامله، ولا أتبين نتائجه، فاضطررت إلى ممارسة وظائف لست مؤهلا لها، ثم ساقتني مواجهة ظروف الاستعمار  إلى خوض غمار النشاط السياسي، فلم يكن علي بردا وسلاما، فلأيا ما لأيا تخلصت من عوار السياسة وأوارها، ثم كافحت لأجد توازنا وسكينة في العمل الثقافي تدرسا وكتابة، وفي الفكر الإسلامي دراسة وتدبرا”.’رحلة مع الحياة’ ص 12.

عصامية

كانت بالفعل أبواب رحلة حياة ولد اباه مفتوحة على كل الاحتمالات، فقد مَكَّنَتْه فرصُ زمانه وظروف أوانه وبعدُ همته وطموح نفسه من خوض عدة تجارب ومغامرات لكنه آثر بمحض إرادته أن تكون رحلته الأهم مع الكفاح العلمي والثقافي الذي وجد فيه “التوازن والسكينة”، وكان السياق الاجتماعي يقتضي أن يكون كفاحه العلمي والتعليمي كفاحا تقليديا يتبع فيه خطى والده الأصولي الشاعر والطبيب الصوفي محمد فال “اباه”(1266 – 1349 هـ)، أو جده الفقيه الهمام باب ولد أحمد بيبه (1207 -1272هـ) أو غيرهما من ذويه العلماء والمتصوفة.

 لكن ولد اباه اختار أن يكون كفاحه العلمي المظفر إضافة علمية نوعية تبني في التحصيل والتكوين على الإرث العلمي للعائلة والمنطقة والسياق الثقافي الأول، ولما وفرت له مناهج الدراسة الحديثة، وتسد بالتأليف والعطاء فراغا في الساحة العلمية لبلاده والعالم الإسلامي فاتجه نحو تاريخ العلوم وبيان ترابط المعارف الإسلامية، وإيضاح وشائج الأرحام بين علماء الأمة قديما وحديثا في مختلف الأقطار الإسلامية.

لم يكن اتجاه ولد اباه نحو تاريخ العلوم واهتمامه بجغرافيا الأفكار وليد صدفة عابرة أو نتيجة موضة فكرية فرضها التوجه الأكاديمي في أيامه فسار فيه مع من سار، بل كان اتجاها مدبرا بأمور،  ومتأثرا بعوامل تداخل فيها البعد العائلي، وتأثير الشيخ العلمي الأبرز في حياته، ونزوع عقله نحو الكليات والتجريد وعشقه لأصول الفقه، ثم إحكامه للمنهج الغربي في البحث العلمي، وغيرته الشديدة على تراث بلاده وإرث أسلافه، ونقمته الشديدة على دعاة وهم القطيعة بين الأمصار الإسلامية فانبرى بعُدَّة النشأة ودوافع النفس وتطبيق المنهج الحديث يؤرخ للعلوم الإسلامية والعربية تاريخ من عجم عودها وآمن بمقتضاها. 

نشأ ولد اباه في بيت علوي ضارب الجذور في العراقة المعرفية، وفي حي يتنفس أهله الشعر والعلم والأدب والمحبة النبوية وذكريات الشوق إلى طيبة والبيت الحرام، بل وإلى “نجد وسنا برقه”، فقد كان هذا الحيُّ يتذاكر أهله في دروس علوم القرآن أخبار القراء ورواياتهم، وخلافات علماء القطر حول بعض مخارج الحروف، وفي مجالس النحو يطرق أسماعهم أقوال سيبويه والخليل بن أحمد وعناوين المصنفات النحوية، وفي تدريس الفقه والحديث والتصوف كذلك، وفي خزائن كتبهم يأوون إلى مخطوطات عريقة أقامت في الحي قرونا متطاولة، قادمة إلى صحراء شنقيط من فاس وحواضر العلم في المشرق والمغرب، تشهد بصمودها وترحالها على تجذر التواصل المعرفي بين الشعوب الإسلامية في الأقطار المختلفة.

 

بنشأة ولد اباه في مثل هذا الجو العلمي العبق بالعلوم والأفكار والنوادر الأدبية والكتب العابرة للأزمان لم يكن يحتاج في اهتمامه بتاريخ العلوم لأكثر من قدحة زناد، وتلك القدحة قام بها العلامة محمد عالي ابن فتى (بابَّاه) ( 1316 – 1394 هـ) الذي درس عليه ولد اباه مرتقى الوصول لابن عاصم، وأثر فيه تأثيرا علميا بالغا لجمعه بين “نبرة الأدباء، وعبارة الحكماء، وبراعة المربين”، ففتح له هذا التتلمذ بابين أولهما: الاهتمام بأصول الفقه، والثاني: سلوك العلماء والشعراء، وهو اهتمام لازم ولد اباه طول عمره فألف في أصول الفقه المالكي والشافعي، وكتب مؤلفاته الكثيرة عن تاريخ العلوم ورجالها.

وجَّه ولد فتى بوصلة ابن عمه ولد اباه نحو تاريخ العلوم بتحبيب علم الأصول وأخبار الرجال إليه، ووفرت له الجامعات الحديثة بين الرباط وباريس وتونس ولقاءاته المتكررة مع المستشرقين عُدَّة بحثية استطاع أن يجمع بها أشتات العلوم والمعارف بطريقة مبسطة شاملة تستنتج وتسائل وتقارن وتستدرك، وكانت غيرته الشديدة على تراث أسلافه وبلاده، ورده على دعاة القطيعة دوافع لإنتاج هذا الكم الهائل من الكتب والدراسات.

 تنبه الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري المدير العام السابق للإسسكو لما تضيفه تواريخ ولد اباه للعلوم فقال في تقديمه لكتاب ’تاريخ النحو العربي في المشرق والمغرب’ “ورغم ما كتب عن تاريخ هذا العلم العربي والإسلامي (يقصد النحو) من دراسات عديدة فقد كان بحاجة إلى عمل أكاديمي شامل متكامل يبرز وحدة الأمة عبر الزمان والمكان، ويجلو علاقات التفاعل والإثراء بمختلف شعوبها وينصف ذوي الجهد المتميز ممن أغفلهم الدارسون السابقون جهلا أو تجاهلا، وهذا هو الهدف السامي الذي توخاه الدكتور محمد المختار ولد اباه”.     

من أخصاص البصرة إلى أعرشة المحظرة

هذا الجهد الذي توخاه دكتورنا الراحل محمد المختار ولد اباه بدأه بقوله الموجز الذي لخص فيه رحلة تاريخ النحو العربي منذ “نشأ على ضفاف شط العرب، وربته البصرة وليدا، وغذته الكوفة بلبانها، ورعته دار السلام بين الرصافة والكرخ، ثم امتد صوبه إلى الشام ومصر وإفريقيا والأندلس والمغرب محتميا بظلال القرآن، ومنضويا تحت راية الإسلام”، ثم يؤرخ بالإجمال والتفصيل لكل المراحل التي مر بها هذا العلم وجعل نضجه مع كتاب سيوبيه الذي لم يسبق إليه، وكان جميع من جاء بعده عالة عليه “فلم يغادر سيبويه للنحاة من متردم سوى تفريعات جزئية لا تمس هيكل الصرح الشامخ الذي وضع الخليل تصميماته الهندسية، وقام سيبويه بتشييده، وكل من جاء بعده سوى وضع لمسات تكميلية”. ’تاريخ النحو في المشرق والمغرب’ ص 19.

انطلق ولد اباه من أخصاص الخليل بن أحمد الفراهيدي في البصرة بالمشرق الإسلامي يتتبع تطورات هذه اللمسات التكميلية على الصرح البصري مع بعض الجهود الكوفية متوقفا مع “النشأة” و”عصر التدوين” و”عصر البيان والتحصيل” و”عصر التقويم والتأصيل” في المشرق، راصدا رحلة النحو إلى المغرب و”تبصره” و”ثورة ابن مضاء” على نظرية “العامل”، وظاهرة امتزاج النحو مع المنطق وغلبة الاختصار على مصنفاته وإعادة الاعتبار للتصريف، معرجا على مدرسة ابن مالك ومرورها بالمغرب في زوايا الصوفية وقصور الملوك وحتى تجليات هذه المدرسة في أخصاص المحظرة الشنقيطية مع النحاة الأوائل وابن بونه وشراح طرته ومحاظر التدريس ومدارس النحاة ومظاهر ترسخ العلوم النحوية بمتنها المالكي الطائي في جهات موريتانيا الأربع. 

ولم يشأ ولد اباه وهو المتقن للسان الفرنسيس والملم بلغات أخرى أن يترك النحو العربي قبل أن يقارنه بالمدارس الألسنية المعاصرة غربيا وعربيا، فتوقف مع دي سوسير وتشومسكي، ومع الدكتور طه عبدالرحمن وعبدالقادر الفاسي الفهري وعبده الراجحي وتمام حسان، ثم كر على مدرسة “تيسير النحو” متوقفا مع عبدالكريم خليفة وشوقي ضيف، وختم سفره الجليل الذي جاء في نحو 666 صفحة بوقفات مع النحو والعلوم الشرعية والأدبية والمنطق والبيان والمستشرقين.

تواريخ شاملة للعلوم

وعلى هذا النحو من الإحاطة والشمول وحسن التقسيم والتحليل مع إضافة التعريف بعلماء شنقيط وجهودهم في ازدهار الدرس النحوي والأدبي نحا الدكتور ولد اباه في كتبه الموسوعية الأخرى؛ فعرف بـ’تاريخ القراءات في المشرق والمغرب’، و’تاريخ علوم الحديث في المشرق والمغرب’ و’تاريخ التصوف’ وتاريخ الفقه المالكي في شنقيط، وكتب مداخل لأصول الدين وأصول الفقه المالكي.

 ولم يغفل وهو الشاعر ابن الشاعر ابن الشاعر أن يؤرخ لـ”لشعر والشعراء في موريتانيا” فكان كتابه مرجعا ومصدرا لا غنى عنه لدارس الشعر والنقد في المجال الشنقيطي مع كتابته لرحلته هو الشخصية مع الشعر العربي، مبديا معاني فذة في النقد والذوق وحسن الاختيار وذكريات التلقي الأولى، مع إعادته الاعتبار للشعر الأندلسي الذي أهمله أديبنا عارف حجاوي في مشروع اختياراته، وملأ “مجابات” في الشعر المغاربي ظلت فارغة في المدونات الشعرية.   

عرفت الساحة العلمية الإسلامية جهودا كبيرة في التأريخ للعلوم الإسلامية والآداب العربية مثل مشروع أحمد أمين (ت1373هـ)  وعمر فروخ (1407هـ) ومصطفى الرافعي (1356هـ)، وآخرين لكن كل تلك المشاريع لم تكن بشمولية مشروع محمد المختار ولد اباه الذي أرخ للعلوم الإسلامية تأريخا داخليا يناقش القواعد والأسس ويعرف بالمبادئ، وأضاف فيه إنصاف علماء المجال الشنقيطي فعرف بهم وبكتبهم وأسانيدهم فأبرز وحدة الفضاء الإسلامي من الخليل بن أحمد وسيبويه إلى شيخ الشيوخ يحظيه ولد عبد الودود (ت 1359 هـ) وتلامذته الكثر، ومن نافع المدني (ت95-96 هـ) إلى شيخ القراء سيدي عبدالله بن أبي بكر التنواجيوي (ت 1145هـ) ، ومن الإمام مالك بن أنس (ت179هـ) إلى العلامة محمد سالم ولد ألما (ت 1383هـ).

موجهات الرحلة

منَّ الله الكريم على العلامة مؤرخ العلوم محمد المختار ولد اباه  برحلة طويلة ركب خلالها الجمال والسيارات والطائرات الخاصة، وسكن في ظلال الأشجار والخيام، وأقام في الفنادق، وانتجع المراعي وعمل في الزراعة، وارتاد أجمل العواصم، ومارس مهنة التعليم وشغل الوزارات، وذاق مرارة السجن وطعم التحليق في الهواء، وتعمق في الأدب الفرنسي وحاور المستشرقين لكنه ما فتئ قلبه عامرا بحب القرآن وأهله يتقرب إلى الله بخدمة كتابه وترجمة معانيه للناس، وخدمة سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، يرى أهل بدر قدوته فتتبع أخبارهم وضمنها في نظم بديع، وكتب لمدينة النبي صلى الله الله عليه وسلم أجمل القصائد وأعذب الأشواق، فبهذا الموجه الروحي ظلت رحلة حياته في ارتقاء إيماني دائم تلمسه في كل أعماله.

وموجه آخر استولى على حياته بعد الإيمان الصادق المنبعث من حنايا الروح تلاوة وترانيم، ذلك المحدد هو المضاء في تطبيق ما يؤمن به بعزيمة وإصرار لا يعرفان الاستكانة، وكان من حظ التعليم أنه آمن به وسيلة لنهضة الأمة وشعبه فلم يبغ به بديلا فكان هوايته المفضلة مارسه شابا في مقتبل العمر، ولم يزل شغله الشاغل حتى آخر لحظات عمره، ولإيمانه بالتعليم كتب عنه منظرا في منظمة المؤتمر الإسلام مقارنا بين قديم مناهجه وحديثها، وأدار مؤسسات وطنية ورأس جامعة دولية، واشتغل بالثقافة وقضاياها في منظمة المؤتمر الإسلامي، وأسس جامعة عصرية، وللتعليم كتب أحسن المقررات وكون خيرة الأطر، فبالتعليم اشتغل وفي سبيله ترهبن، فكان رحيله في مستشفى القلب قريبا من الجامعات ولو استطاع لودع الدنيا على مقاعدها، وأما السياسة فكانت في حياته محطة إجبارية تركها اختيارا، وليست من آثاره الباقية.

احتفاء وتقصير

تمنيت كثيرا أن يُقدم الباحثون والأكاديميون في موريتانيا شكرا أكاديميا وتقديرا علميا للعلامة والبحاثة مؤرخ العلوم الإسلامية والعربية الدكتور محمد المختار ولد اباه وهو حيٌّ جالس بين أظهرنا احتفاء بجهوده البحثية وتقديرا لعطائه العلمي الواسع لكن تطبيقنا لقاعدة أبي القاسم الشابي:

الناس لا ينصفون الحيَّ بينهمُ … حتى إذا ما توارى عنهم ندموا

كانت الأكثر اطرادا في تعاملنا مع أجلائنا وكبرائنا وذوي العطاء المعرفي فينا، ثم بعد رحيلهم نقرع سن الندم الكسعي مستذكرين مآثر كانت تملأ الفضاء، وقد منعنا الجفاف الثقافي والقحط الفكري من ذكرها والإشادة بها في أعمال علمية تنفع الناس وتمكث في الأرض.

 منذ عدة عقود اعتاد الباحثون والدارسون إسلاميا وغربيا على تنظيم ندوات وفعاليات تُقدم فيها بحوث علمية ودراسات أكاديمية في فكر وأعمال العلماء الأعلام ذوي العطاء والكسب المعرفي بمناسبة بلوغهم أعمارا معينة أغلبها من الستين إلى التسعين، وتصدر تلك البحوث في كتب تُهدى إلى العلَم المكرَّم يأنس بها في حياته، ويرى آراء طلابه وأصدقائه والدارسين في كتاباته وخلاصاته البحثية وجهوده العلمية، ويطمئن أن عطاءه العلمي لم يذهب سدى بل سمعته آذان واعية، وتلقته أيدٍ أمينة، وأنه ستتدارسه أجيال متواصلة وأمم متلاحقة.

 كان الدكتور محمد المختار ولد اباه المأسوف عليه اليوم جديرا بذلك الاحتفاء لما صنف من مؤلفات قيمة، ولما عايش من أحداث كبرى خلال حياته المديدة، ولكن قاعدة الإهمال والتقصير المطردة في بلادنا اليوم لم تُخرم معه، فها هو يرحل في هدوء بعد تجربة سياسية عاصفة وحياة علمية حافلة، ولم يقل له الباحثون شكرا جزيلا في حياته، وبخلوا عليه بثناء مستحق ذي قيمة باقية.

 فالراحل الدكتور محمد المختار لم ينل في بلاده التي حمل همومها معلما ووزيرا، ومعارضا منفيا، ومؤسس منشآت تعليمية إلا تكريما رمزيا رسميا من الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني قبل شهور من رحيله المفجع لكن إثنينية عبدالمقصود خوجه المكرِّمة للعلماء والمحتفية بالأفذاذ جعلت له نصيبا من اهتمامها بالعلماء والمفكرين فكرمته في نسختها الـ322 بتاريخ 14 ربيع الأول 1428هـ  الموافق 2 أبريل 2007م، تكريما ضافيا وجد فيه المتحدثون مكان القول ذا سعة فقالوا، كما أن نوادي الأدب في الرباط التي أقام بها برهة من الزمن كرمته محاضرا وشاعرا مفلقا وأديبا لامعا وأستاذا مؤلفا بحاثة، ولم تغمطه المؤسسات الإسلامية الدولية والإقليمية حقه فطبعت كتبه ومصنفاته، وتشرفت بعضويته في الحجاز ومصر والأردن والمغرب. 

 لم تعرف التقاليد الأكاديمية الموريتانية الفقيرة للأسف ذلك الضرب من التكريم وتخليد العلماء والباحثين، ويوم تستفيق من قفوتها وتنهض من تخلفها ستجد في حياة ومؤلفات الدكتور ولد اباه ما يستحق أن يروى، وأن يُذكر عن “رحلة مع الحياة” جمعت بين سعة المعارف وعلوِّ الهمة والعصامية الفذة والعظامية التليدة والمغامرات العلمية والتجارب السياسية ومراكمة التجارب بالتجوال في الأرض ومجالسة الكبار والأفذاذ وصداقة الملوك والرؤساء، ومواصلة العمل الدؤوب حتى ساعات الفجر الأخيرة من يوم 29 جمادى الآخرة 1444هـ حين أسلم الروح إلى باريها، تاركا بعلمه وتجاربه وإيجابيته كثيرا من الكتب العلمية والمؤسسات التعليمية والذكر الحسن، فليته ينال بمن الباحثين بعد وفاته ما يستحق من التكريم البحثي أحله الله دار الكرامة والسلام.