في قراءة موقف حماس (تدوينات)

محمد جميل منصور

بقلم : محمد جميل منصور : لفت انتباهي ما كتبه بعض الأفاضل من علماء وكتاب عن توجهات حماس وتحالفاتها خصوصا بعد بيانها الذي تؤكد فيه عزمها على المضي في تطوير العلاقات مع الجمهورية العربية السورية، وقد رأيت وضعا للموضوع في إطاره الطبيعي، وتفهما لموقف كانت كل المعطيات على أرض الواقع تدفع إليه أن أسجل الملاحظات التالية:

1 - ليس من المناسب الحديث في هذا الموضوع بلغة الحلال والحرام القاطعة، فلاهو مما نطقت في شأنه النصوص ولاحوله انعقد إجماع مؤكد أو مدعى، ولاتنقيح المناط أوتحقيقه أوتخريجه في شأنه بتلك البداهة، فهو داخل دون تردد في دائرة التقدير والاجتهاد التي تضبطها المقارنة الترجيحية بين المصالح والمفاسد، ومن هنا فإن بعض الأوصاف كالحرمة أوالخيانة أوالجريمة لاتناسب ولاتقبل في النقاش الدائر والوارد أن يدور حول مواقف وسياسات حماس التي أهلتها تجربتها وجهادها ونجاحاتها أن تكون نموذجا يحدب عليه الجميع ويخاف عليه ولايرضى له بما يشوش على صورته ومكانته.

2 - كانت لحماس تحالفاتها مع النظام السوري والنظام الإيراني وحزب الله، ويومها كانت للنظام السوري جرائمه وكان له تاريخه القمعي والاستبدادي، وكان للنظام الإيراني تدخلاته الطائفية، صحيح أن الأمر اختلف مع الربيع العربي، وأن همجية النظام السوري ودمويته أصبحت بلاحدود، وصحيح أن حزب الله في خطيئة تاريخية مؤكدة دعمه في ذلك، أما الإيرانيون فكانوا حماته الأول، ولكن صحيح كذلك أن 2022 ليست 2012 و2013 وأنه قد وقعت متغيرات كثيرة وأن الربيع العربي بفعل المؤامرات عليه وبفعل أخطاء من تبنوه وتمخض عن وصول بعضهم إلى الحكم عرف انتكاسة حقيقية لايدرى أينهض بعدها أم لا، وصحيح أيضا أن الثورة السورية لم تعد تلك الانتفاضة الشعبية العارمة بل تداخلت فيها عوامل داخلية مخيفة( داعش وأخواتها) وإقليمية ودولية مريبة، مما أفقدها ألقها وأخضعها لحسابات ورهانات خارجة عن إرادتها.

ومع مغادرة حماس لسوريا ورفضها مسايرة النظام السوري حينها بل وصدور تصريحات وإشارات توضح أن سبب مغادرتها سلوك النظام تجاه شعبه، مع ذلك استمر الدعم الإيراني لحماس والتي تنكرت لها أطراف عديدة جاملتها حماس ولم تذكر عنها غالبا إلا خيرا.

فإذا استحضرنا مآل الربيع العربي وتطورات الحراك السوري وتحالفات المنطقة والمخاطر التي تواجه القضية الفلسطينية، أمكننا أن نفهم موقف حماس وأن نلتمس لها أحسن المخارج.

أما موضوع الممانعة فرغم أخطاء إيران ودموية النظام السوري وتجاوزات حزب الله، فإنهم محور ممانعة ومقاومة أو هم الأقرب لهذا الوصف.

3 - لنعد إلى بيان حركة حماس، ودون التسليم بأنه صيغ في حدود المطلوب وبأنه لم يتجاوز في بعض الأوصاف والنعوت، فإنه ركز على ما يعني فلسطين فوضعية القضية هي الدافع الرئيس، واحتضان شعبها ومقاومتها هو المذكور الأساسي، وإدانة العدوان الصهيوني على سوريا ليست محل خلاف، ووحدة سوريا أرضا وشعبا لا تؤخذ على قائلها، والمطالبة باستعادة سوريا لمكانتها ودورها في الأمتين العربية والإسلامية مفهومة وإن احتاجت لبعض الضبط والتأطير، وأعان على تخفيف مايفهم من النقطتين السابقتين قول البيان : " إنهاء جميع مظاهر الصراع في الأمة، وتحقيق المصالحات والتفاهمات بين مكوناتها ودولها وقواها عبر الحوار الجاد، بما يحقق مصالح الأمة ويخدم قضاياها”

على كل حال مفهوم أن يضجر البعض من أي ثناء على النظام السوري، أو أي إسهام في إعادة تأهيله، ولكن بيان حماس الذي أسال مداد بعض الأفاضل ورأوا فيه تنكر لدماء الشعوب واستسهالا لها، ليس على النحو الذي صور، بل كان في غالبه مفهوما في إطار توجه أصحابه وإكراهاتهم، ولعلهم تجاوزوا فيه على نحو محدود جدا، إن كانوا قد تجاوزوا.

----------------------------------

كنت أظن أن النقاش حول مصالحة حماس مع النظام السوري قد انتهى مع إعلان الحركة ذلك الموقف وتعليق المنتقدين والمتفهمين والمباركين، ولكن يبدو أنه يتجدد عند كل حدث ذي صلة بالموضوع مثل زيارة د.خليل الحية مسؤول العلاقات الخارجية لحماس لدمشق أخيرا.

لتعلموا أن الذي دفع حماس لهذأ الموقف هو حاستها الاستراتيجية، وعدم ارتهانها لظواهر الأمور وصعوبة التحديات.

لقد قرأت حماس الوضع الدولي - رغم أنه أحسن من سابقه- واستحضرت ماهو واقع من حولها ، وموازين القوى التي تشهد متغيرات جوهرية واصطفافات لا يسهل فهمها بادي الرأي، وبناء على هذه القراءة تصرفت وهي تدرك سلفا ما سيثيره موقفها من ردات فعل.

لاتعطي حماس صك براءة للأسد ولا لغيره، لأنها لاتملك ذلك والراجح أنها لاتريده.

تدير حماس معركة ليست بالسهلة، وتعيش في محيط إقليمي الأعداء فيه أكثر من الخائفين، والخائفون أكثر من المترددين، والمترددون أكثر من الأصدقاء، فلاتلوموها إن بحثت عن أصدقاء وأحيت مشتركات ظاهرة مع هذا الطرف أو ذاك.