محام فرنسي يروي ذكرياته مع الخميني

شرطي فرنسي غادر مع الخمبني خلال عودته إلى إيران 1979مـ

بقلم : سليمة لبال// بعد 38 عاما على انقلاب الإيرانيين على الشاه، خرج المحامي الفرنسي كريستيان بورغي عن صمته، ليروي تفاصيل الدور الذي لعبه إلى جانب آية الله الخميني، في فرنسا، وعلى الساحة الدولية قبل قيام الثورة الإسلامية وبعدها. ويصف كيف تحول امل 1978 الى خيبة في 1982، منذ اقامة الإمام في نوفل لو شاتو الى أزمة رهائن السفارة الاميركية.
إنها صورة لا أحد رآها من قبل، ذلك أنها لم تطبع أبدا وبقيت سنوات في شكل نيغاتيف، يظهر عليه آية الله الخميني لدى وصوله إلى مطار أورلي في 6 أكتوبر 1978، ويحيط به عشرات الأشخاص. كان يقف خلف كاميرا التصوير كريستيان بورغي المحامي الفرنسي، المدافع عن حقوق الانسان.
في تلك الفترة، اختار الايرانيون هذا الرجل في فرنسا من أجل مساعدة معارضي الشاه محمد رضا بهلوي، لكن هذا الرجل سيلعب دورا محوريا لاحقا خلال أزمة رهائن السفارة الأميركية في طهران.
التقطت هذه الصورة عشية الثورة الايرانية، بعد أن تم طُرد قائد المعارضة الإيرانية من منفاه في بغداد، لينتقل بعدها إلى فرنسا، بعد أن رفضت الكويت استقباله. وفي فرنسا، كان عليه أن يبحث عن أناس يدعمونه، للتحضير لعودته إلى طهران.
كان في استقبال الخميني في مطار اورلي كل من صادق قطب زادة الذي أصبح لاحقا وزير الخارجية، وأبو الحسن بني صدر الذي أصبح فيما بعد أول رئيس للجمهورية الإسلامية. ويظهر الرجلان كلاهما على النيغاتيف الذي يحتفظ به كريتسيان بورغي في ألبوم صوره، إلى جانب صور أفراد عائلته.
كان المحامي بورغي شاهدا صغيرا على تاريخ كبير، لكنه لم يتحدث أبدا، وعن ذلك قال لصحيفة ليبراسيون التي وثّقت شهادته: «لقد اعتقدت دوما بأن الوسيلة الأفضل للوصول إلى نتيجة هي العمل بعيدا عن الأضواء».
قصة بورغي هي قصة التزام وخيبة أمل. إنها قصة كفاح من أجل الثورة، التي عوض أن تنقذ البلد حوّلته إلى ثيوقراطية لا ترحم «رغم كل شيء واصلت العمل مع الايرانيين بعد الثورة وإلى غاية 1982. ما قام به نظام الشاه بين 1941 و1978 كان مخيفا، واعتقدت أن إيران تستحق النجاة بنفسها، حتى تتخلص من مراقبة القوى الكبرى».

مراقب لحقوق الإنسان
كان الرجل طويلا، وأما لحيته وشعر رأسه فقد اكتسحهما البياض. لقد كان يعيش في باريس مع زوجته، حين التقاه في نهاية ستينات القرن الماضي، ومعا بدآ يهتمان بايران وبالنضال من أجل تحريرها.
ولد كريستيان بورغي في مدينة نيم في عام 1934، لأب يعمل قسا. نشأ بين الجزائر والمغرب، ثم تابع تعليمه في مدرسة العلوم السياسية في غرونوبل، ليصبح محاميا، بعد أن أدى القسم في 1959. بعد بضعة شهور تم استدعاء هذا المناضل الاشتراكي للانتقال الى الجزائر، وعن تلك الفترة يقول: «لم أكن أرغب في قتل رجال كانوا يطالبون بحريتهم، لكني لم أعارض، لأن ذلك كان سينهي مشواري الوظيفي». لدى عودته إلى باريس في 1962، بدأ بورغي العمل في مكتب جان لويس تيكسييه فينونكور، وكان محاميا ينتمي لليمين المتطرف، وترشح للانتخابات الرئاسية في 1965 «لقد كنت أعارضه سياسيا، لكن الأهم بالنسبة لي في تلك الفترة كان مهنة المحاماة».
لقد شارك بورغي في الدفاع عن أعضاء المنظمة السرية المتهمة بتدبير اعتداء ضد ديغول، وشيئا فشيئا وبمرور السنوات زاد شغف المحامي الشاب بالمحاكمات السياسية «حين غادرت تيكسييه فينونكور لأفتح مكتب محاماة مستقل مع محاميين شابين آخرين، واصلت ممارسة السياسة، ودافعت كثيرا عن الطلبة بعد أحداث مايو 1968».
أصبح بورغي عضومجموعة إعلام ودعم اللاجئين التي تخصّصت في الدفاع عن نشاطات الأجانب، وفي 1971 تم إيفاده في مهمة مراقبة قضائية في المغرب، ولدى عودته طرقت إيران بابه.
لقد طلب منه صادق قطب زادة ممثل الخميني في أوروبا المساعدة، وعن ذلك يقول: «لقد اقترح عليّ في 1972 أن أتوجه إلى إيران كمراقب لحقوق الانسان». قبل بورغي المهمة، ومنذ ذلك الحين التزم المشاركة بقوة في المعركة ضد الشاه «خلال فترة وجود الخميني في المنفى، خطرت على قطب زادة فكرة نشر خطب الامام، لقد كان يسجل مداخلاته على اشرطة كاسيت، وكنت انا وزوجتي ننشرها».

فرنسا لم تتدخل
حين حطت طائرة الخميني في باريس في 1978، دعا مؤيدو الامام بورغي للحضور حتى يحول دون اعادته إلى العراق التي قدم منها. وبالفعل حضر المحامي للمطار برفقة آلة تصوير «لقد درست جيدا نقطة حماية الاجانب على الأراضي الفرنسية، وكان ممكنا جدا أن يتم رفض استقبال الخميني، لكني كنت أملك حججا للدفاع عنه. على كل حال لا احد تدخل في ذلك اليوم».
كانت هذه بداية فترة إقامة الخميني في فرنسا، حيث قضى بضع ليال في فندق، قبل أن يستقر في نوفل لو شاتو لمدة 3 شهور. كان كريستيان بورغي من يربط الخميني بالعالم الخارجي، حيث كان يزوره باستمرار، يسلم له البريد وينقل الرسائل، ويتذكر المحامي تلك الفترة، فيقول: «لقد كان الخميني قليل الكلام وأحيانا كانت ابتساماته عريضة جدا، لكني لم افهم ما تخفي وراءها».
ما إن اشتعلت الثورة، حتى غادر الشاه إيران في 16 يناير، وكان الوقت مناسبا وفق صادق قطب زادة للعودة، لكن مطار طهران كان مغلقا في تلك الفترة، وكان يمكن لشرطة الشاه أن تمنع الطائرة من النزول، كما كان يمكن أن تطلق النار على الخميني، علاوة على أن لا شركة طيران كانت مستعدة للمخاطرة بتسيير تلك الرحلة. يقول بورغي: «بفضل شريكي في مكتب المحاماة، مكنا قطب زادة من التواصل مع الخطوط الجوية الفرنسية لاستئجار طائرة. لقد بدأ في جمع المال، وذات يوم وصل حاملا بين يديه كيسا كبيرا من الاوراق النقدية».
حصل أول اتصال بين الخميني والسلطات الفرنسية في يناير 1979، حين زار مسؤول في وزارة الخارجية مدينة نوفل لو شاتو، وطلب رؤية الخميني، وهنا يقول يورغي الذي حضر اللقاء: «لقد عبر الدبلوماسي الفرنسي عن قلق فرنسا من مواقف الإمام العلنية، وترجاه أو يتوقف عن مهاجمة الشاه، لكن الخميني رفض، وقال له إنه مستعد لتقبل قرار الإبعاد، لكنه لن يغض الطرف عما يحصل في إيران».
وبمساعدة بورغي قام الايراني برسم المخطط، وهنا يضيف بورغي: «كان للاعلان عن عودة الخميني إلى طهران صدى اعلامي كبير. قمنا بملء نصف الطائرة بالصحافيين، والنصف الثاني خصصناه للايرانيين الذين كانوا يرغبون في نيل شرف العودة مع الإمام، وكانوا مستعدين لدفع كثير من المال مقابل ذلك، وفي وقت قصير تم استئجار الطائرة».
غادرت الطائرة في 1 فبراير 1979. كان صادق قطب زادة يجلس في الصف الأول إلى جانب الخميني. لم يستقل بورغي تلك الرحلة، لكنه لا يزال يحتفظ في مكتبه بالصورة التي جمعته جنبا غلى جنب بالرجل «لقد كنا نشعر بالخوف مما سيحصل في إيران حين تحط الطائرة، لكن انصار الشاه لم يخاطروا باطلاق النار، ذلك ان ما بين 4 الى 5 ملايين ايراني كانوا ينتظرون الامام في المطار، بالنسبة للايرانيين كان الخميني بمنزلة رسول».
ولدت الجمهورية الإسلامية في 30 مارس، وسط جو من القمع العاك. كان بورغي يتابع رجع صدى الثورة من فرنسا، فيما لم تعد تصله انباء من قطب زادة، ويقول المحامي انه قرر برفقة زوجته وشركائه تأسيس الجمعية الفرنسية للصداقة، ودعم الشعب الايراني، لمساندة الثورة الايرانية من أوروبا، لكن شيئا فشيئا بدأت تصلنا الأخبار، وعلمنا أن من بين الاجراءات الأولى للجمهورية الاسلامية تنفيذ عمليات اعدام ضد ضباط ومؤيدين للشاه، لقد أصبنا بالذعر وأرسلنا برقيات احتجاج على ذلك من دون أن يصلنا أي رد».

مفاوضات على النفط
تبدو العلاقة بين طهران وبورغي قد انقطعت إلى غاية سبتمبر 1979، حين عاودت إيران الظهور مرة أخرى في حياته. وكانت عودة العلاقات هذه المرة في شكل اقتراح عرضه عليه رجل الاعمال الارجنتيني هيكتور فيالون الذي كان مؤيدا سابقا للرئيس خوان بيرون، وعن تلك القصة يقول بورغي: «لقد أصبحت محاميه وصديقه. وذات يوم اقترح علي اقناع طهران ببيع بترولها لبنما، حتى تتخلص ايران من اعتمادها على الولايات المتحدة».
قبل بورغي المهمة هذه المرة، وكانت المناسبة سانحة ليرى صديقة قطب زادة مجددا في طهران، وعن ذلك اللقاء يضيف بورغي: «لقد تعرفت عليه بصعوبة، كان يرتدي زيا أسود على طريقة ماو، فيما كنت أنا منزعجا من الوضع العام».
لام بورغي صديقه على خيانة مُثُل الكفاح، وعن لقائهما يقول: «لقد تحدّثنا عن القضاء. لقد كانت إيران تطبق حكم الإعدام، ما كان يعني أن استعادة الشاه، وكان في منفاه في المكسيك، أمر مستحيل، لكن كان يمكن على الاقل ان يحاول الحصول على حق محاكمة علنية في بلد اجنبي. هنا انهار قطب زادة باكيا».
فجأة تراجع الاهتمام بالمفاوضات حول البترول بين طهران وبنما، بسبب استقبال الولايات المتحدة في 22 اكتوبر 1979 لشاه ايران لتلقي العلاج، حيث كان مصابا بالسرطان. لقد خشي النظام الايراني حيلة اميركية يمكن ان تعيد محمد رضا بهلوي للحكم، وفي هذا الجو الذي اتسم بالفوضى، اقتحم في 4 نوفمبر 1979 طلبة ايرانيون مقر السفارة الاميركية في طهران، وسيطروا على 52 رهينة.
طلب الخميني رسميا تسليم الشاه، لكن الولايات المتحدة انتقمت بتجميد الارصدة الإيرانية في البنوك الاميركية، وهنا طلب النظام الايراني مجددا مساعدة بورغي. يقول المحامي الفرنسي: «في 15 نوفمبر، غادر الشاه باتجاه بنما، وحينها طلب قطب زادة منّا، أنا وفيلالون الانتقال الى بنما والمطالبة بتسليم الشاه».

موفد غير رسمي
أصبح بورغي وفيلالون موفدين غير رسميين لإيران خلال أزمة الرهائن، ويتذكر بورغي تلك الفترة بقوله: «لقد كانت أصعب مرحلة في حياتي. وحتى أتمكن من مواجهة الإجهاد، بدأت أمارس الرياضة».
لكن ماذا عن المباحثات؟ يراوغ هنا المحامي، لكنه يقول: «كان كل طرف يشد الحبل نحوه، لقد كان الأمر معقدا للغاية، لكن ما كان يزعجني جدا هو أن كلا الجانبين الأميركي والايراني كانا يحاولان تدمير كل شيء بالقوة، وإفشال أي محاولات للحوار».
ذكر جيمي كارتر في مذكراته رئيسا سابقا للولايات المتحدة الأميركية بورغي ومساعده، وكتب عنهما التالي: «أنا لا اعرف كثيرا عن الرجلين، ماعدا أنهما خاطرا بحياتهما عدة مرات من اجل مساعدتنا، إن لهما دينا علي أنا والشعب الاميركي لن يمحى ابدا».
فشلت المفاوضات بعد عدة محاولات، وفي 24 أبريل 1980 سمح كارتر بتنفيذ عملية لتحرير الرهائن، لكنها فشلت، وانتهت بتحطم المروحية التي كانت تقل الكوموندوس الأميركي، ما أدى إلى مقتل 8 جنود.
توفي شاه إيران في 27 يوليو في مصر، وأما الأزمة فلم تجد لها طريقا للحل إلا في 20 يناير 1981، حيث تم تحرير جميع الرهائن مقابل رفع الحظر، ووعد بعدم متابعة السلطات الايرانية قضائيا، وفي هذا الشان يقول بورغي: «في النهاية أعتقد بان هذا كان انتصارا لإيران».
لكن بالنسبة للنظام الإيراني كانت المشاكل قد بدأت للتو، فقطب زادة تم اعدامه في اغسطس 1982، بعد أن أدين بتدبير محاولة انقلاب ضد الخميني. ويتذكر بورغي صديقه بصوت خافت، امتزجت فيه مشاعر الصداقة بالسياسة، فيقول: «إنه أمر محزن، لم اكن أملك أي فكرة عن مخططه، وأعتقد بأنه ضحى بنفسه من أجل أن يُذكِّر الخميني بأنه ابتعد عن الثورة. كان التهجم على الإمام بالنسبة له بمنزلة قتل الأب».
أحيانا يحاول بورغي البحث عن تفسيرات لما جرى، حين يتعمق في الذكريات، ويعود بذاكرته الى سنوات خلت «أعتقد في النهاية أن الصدفة لعبت دورا كبيرا، في فشل هذه الثورة، وأيضا طريقة تعامل الايرانيين مع الخميني، والمنزلة الكبيرة التي حظي بها لديهم، كما ان الثوار ارتكبوا اخطاء، ولم يكونوا مستعدين لذلك».
قطع المحامي الفرنسي علاقاته نهائيا مع النظام السياسي الإيراني بعد مقتل صديقه، ويقول إن موفدين ايرانيين جاؤوا لرؤيته، لكنه يرفض الدفاع عن الدولة، بينما يدافع عن الإيرانيين فقط.

 

صورة نادرة للخوميني  في فرنسا بدون لحية و ببدلة فرنسية قبل أن يعود لإيران منتصرا