الأستاذ محمد المختار ولد أحمدو الملقب: "شيخ العرب" : الشورى فريضة عبادية وسمة أخلاقية وتشريع سياسي؛ امتدح الله بها المؤمنين "وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ"، وأمر بها نبيه صلى الله عليه وسلم "وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ"، ودعا المسلمين إلى تطبيقها داخل الأسرة المسلمة في تدبير شؤونها مهما صغرت؛ كفطام الصبي: "فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا". وكأن القرآن في هذه الآية يوجه الأمة إلى أن تطبيق قيمة الشورى يبدأ من داخل أولى لبنات المجتمع، لتنشأ الأجيال في محاضن شورية تتشرب فيها هذه القيمة منذ الطفولة.
وفي السيرة العملية للنبي صلى الله عليه وسلم أنه كان -وهو المسدد بالوحي والمؤيد بكمال العقل- يكثر مشاورة أصحابه في الأمور العامة والخاصة التي لا نص منزلا فيها، حتى قال عنه أبو هريرة: "ما رأيت أحداً أكثر مشاورة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه" (رواه الترمذي)؛ وقال للصحابة وهم في طريقهم إلى بدر: "أشيروا علي أيها الناس"(رواه البيهقي في دلائل النبوة). وتعددت المواقف التي مارس فيها الشورى بين الحرب (تخطيطا وأسرا وفداء)، والسياسة (صلحا ومعاهدات)، وشؤون الأسرة (حادثة الإفك)، وشملت دائرتها الرجال والنساء والشيب والشباب. كما أن الشورى في الحياة الإنسانية وسيلة لاحترام عقل الإنسان وفكره والانتفاع بطاقاته وعلمه.
فما هي الشورى؟ وما حكمها؟ وهل هي ملزمة أو معلمة؟ وما علاقتها بالديمقراطية؟ ذلك ما نحاول الإجابة عليه من خلال هذه المقاربة.
الشورى.. المفهوم والنطاق:
ولقد دعا الإسلام إلى إقامة الشورى بشكل عام في كافة مناحي الحياة، وألزم بها في تصريف الشأن العام الذي ينعكس على الكافة في مصلحته أو مفسدته، فجعل لكل فرد حقا في السلطة يمارسه عبر الشورى؛ فهي آلية الإسلام لجمع كلمة الأمة سياسياً، ولتجاوز الفتنة بين طوائف المسلمين المجتمعة على العقيدة والمتعددة في حاجاتها ومفاهيمها الحياتية.
ويمكن تعريفها بأنها هي تعاون أرباب الاختصاص والتخصص من ممثلي الأمة على مداولة الرأي واستخراجه في أمر من أمورها الدنيوية أو الدينية التي لا نص فيها، بطريقة مرنة متروك تفصيلها للظروف الزمانية والمكانية بعد التجرد وتغليب المصلحة الجماعية على الفردية.
ويعني هذا التوصيف جملة أمور:
- أنّ الشورى مبدأ إسلامي عام للسياسة والاجتماع وغيرهما.
- أن الأمة بالشورى تحكم وفقا لإرادتها ومن أجل مصلحتها، ويستلزم ذلك أن تقوم الأمة بالرقابة والمعارضة والنقد والتقويم.
- أنّ للشورى مجالين كبيرين: مشورة الحاكم المسلم لرعيّته، وتشاور الرعيّة المسلمة فيما بينها.
- أنّ مبدأ الشورى عام في شؤون المسلمين عدا الأحكام التي ورد فيها النص من الشارع.
- أن الشورى تتنوع بحسب المستشير وموضوع الاستشارة، فإن على السلطان أن يستشير أهل العلم فيما يشكل عليه من الدين، وأن يستشير قادة الجند فيما يشكل عليه في الحرب، وأن يستشير عموم الناس في مصالحهم، وأن يستشير الخبراء في الأمور الفنية التي يختصون بإتقانها.
- الأخذ بالمشورة بقدر تحقق المصلحة وظهور الرأي الحصيف؛ فيحسن أحيانا تعدد الاستشارات في القضية الواحدة إذا كانت معضلة، ويكفي في كثير من الأحيان استشارة واحدة لكل نازلة.
حكم الشورى:
تتحدد طبيعة الموقف الشرعي من الشورى بتبنيها كمبدأ إجمالا، أما في أحكامها التفصيلية فقد جرى حولها خلاف فقهي؛ فاختلف العلماء في حكم العمل بالشورى هل هي واجبة لا يمكن للحاكم العدول عنها، أم إنها مندوبة يستعان بها لفائدتها في ترشيد السياسة وإحقاق العدل.
وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن الشورى واجبة على الحاكم لا يحل له أن يتركها، حتى قال بعضهم بعزله إن امتنع عن المشورة. ويمثل هذا المذهب قولُ ابن عطية الأندلسي إن "الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام ومن لا يستشير أهل العلم فعزله واجب"([1])، وقول ابن خويز منداد المالكي: "واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون، وفيما أشكل عليهم من أمور الدين، ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب، ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح، ووجوه الكتاب والوزراء والعمال فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها"([2]). وهو مذهب المالكية والمنقول عن الحنفية وقول ابن تيمية من الحنابلة وكثير من المعاصرين.
وقد استدلوا بجملة من الأدلة منها: قوله تعالى: "وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله" وفي تفسير التوكل بعد العزم رأيان أحدهما يقول بالعزيمة على رأي النبي صلى الله عليه وسلم والرأي الثاني: التوكل على الله بعد تمام المشاورة والعزم على إمضاء ما ترجّحه الشورى؛ وهو الرأي الأظهر الذي تدعمه سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في بدر وأُحد؛ وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أُمِر بالشورى فغيره من باب أولى، وهذا أمر والأمر للوجوب عند الإطلاق إلا لصارف ولا صارف هنا.
ومن أدلة الجمهور أيضا قوله تعالى: "والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة أمرهم شورى بنهم ومما رزقناهم ينفقون" فقد ورد ذكر الشورى بين الصلاة والزكاة، ويفهم من الآية أنّ الجماعة المؤمنة لا تكف عن ممارسة الشورى في تسيير أمورها وشؤون حياتها إلا بكفها عن الالتزام بالإيمان بالله، أي بخروجها عن دائرة الإيمان الكامل، وكما لو أن كلا الأمرين (الشورى وتحقق الإيمان) مرتبطين ببعضهما أيّما ارتباط.
ومع أن الشرع فرض الشورى إلا أنه ترك طرق تطبيقها لتحددها الأمة وفقا لمبدأ المصلحة الزمانية والمكانية. وفي الحكمة من عدم تحديد الشرع لآلية تطبيق للشورى؛ يقول العلامة عبد الوهاب خَلَّاف –ملخصا وجهة نظر جمهور علماء الأمة المعاصرين- أنه "قضت الحكمة (الشرعية) أن تُقرَّر هذه الدعائم (دعائم الحكم) غير مفصلة لأن تفصيلها مما يختلف باختلاف الأزمان والبيئات؛ فالله أمر بالشورى وسكت عن تفصيلها، ليكون ولاة الأمر في كل أمة في سعة من وضع نظمها بما يلائم حالها، فهم الذين يقررون نظام انتخاب رجالها، والشرائط اللازمة في من يُنتخب، وكيفية قيامهم بواجبهم، وغير ذلك مما تتحقق به الشورى، ويتوصل به إلى الاشتراك في الأمر اشتراكا يحقق أن أمر المسلمين شورى بينهم"([3]).
النتيجة بين الإعلام والإلزام:
الشورى هي صمام الأمان، فالناس إذا لم يشركوا في الرأي المتعلق بمصالحهم الأساسية، وذلك حين تكون الشورى معطلة أو شكلية أو تكون نتيجتها في واد والتنفيذ في واد آخر، فهذا جو يمقته الناس فينفُضُون أيديهم من السلطان فمن دونه وينفضّون من حوله.
لذا كانت الشورى في القضايا العامة ملزمة، فالله تعالى يقول: "وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ"، فإن كان واحد سيستبد فليس الأمر شورى بيننا. والرسول صلى الله عليه وسلم كان يقوم بمشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم بل انصاع صلى الله عليه وسلم لرأي الأكثرية والتزم به مع أنه يرى رأي الأقلية.
وهناك فرق بين شورى الهيئات المختصة وبين استشارة الأفراد؛ فالأولى ملزمة نظرا للاحتياط عادة لعضوية هذه الهيئات التي تضم المستشارين الكبار، فهي مجالس رأي وفكر وتحليل وتقويم ومجالس اجتهادات وقرارات، ولها -بحسب تشكلتها وصلاحياتها- حق النظر في مستوى رئاسة الدولة واختصاصاتها فما دون ذلك، وتكون عضويتها من الذين يُعرفون في الأمة بكمال الاختصاص والأوصاف، من العلماء وأصحاب الأمانة والخبرة في الأمور السياسية والعسكرية والاقتصادية والتشريعية، فيكون التزامُ السلطان والجهاز التنفيذي في الدولة والمؤسسة والجماعة لرأي هذه المجالس، وكذلك التزام رغبة عموم الشعب "كهيئة ناخبة"، أسلمَ من تحكم الأفراد وأبعد عن غوائل الاستبداد.
ويرى بعض العلماء والمفكرين التفرقة بين الشورى والاستشارة؛ فهذه الأخيرة واجبة لكنها ليست ملزمة، وغالبا ما تكون في أمور تنفيذية من صلاحيات القائم بالشورى (كتعيين الوزراء والولاة والقادة العسكريين والموظفين وعزلهم). أما الشورى الواجبة والملزمة فتكون في اكتساب شرعية السلطة ابتداء ثم في اتخاذ القرارات المتعلقة بالأمور العامة العظيمة (كإبرام المعاهدات والدخول في الحروب ونحو ذلك)، التي لا تقع ضمن الصلاحيات المخولة للشخص الأول في الدولة أو المؤسسة أو الجماعة([4]).
بين الشورى والديمقراطية:
يثار عادة جدل كلامي بشأن مدى صوابية إطلاق مصطلح "الديمقراطية" على "الشورى" أو العكس؛ ومع أن الأوْلى أن تتعود الأمة على الاحتفاظ بمعجمها القيمي فإن في الأمر سعة يبررها أن "لا مشاحة في الاصطلاح" ما أمِن اللبس. وقديما وصف المؤرخ وقاضي قضاة المالكية ابن خلدون ديمقراطية الرومان بأنها "شورى" فقال في تاريخه "العبر": "كانوا برومية وكان أمرهم شورى بين ثلاثمائة وعشرين رئيسا ورئيس واحد عليهم يسمونه الشيخ يدبر أمرهم"([5]). وقال قبل ذلك أن اليهود بعد وفاة موسى عليه السلام: "وكان أمرهم شورى فيختارون للحكم في عامتهم من شاؤوا"([6]).
أما على صعيد التخادم بين النظامين؛ فإن الرأي الغالب في صفوف الحركات الإسلامية الممارِسة للعمل السياسي لا يرى مانعا من قيام رابطة إجرائية بين الشورى والآليات الديمقراطية، باعتبارها أدوات ووسائل ممكنة وجائزة لتطبيق الشورى في حياة الأمة بعيدا عن المضامين العلمانية للديمقراطية؛ إذ المسائل التطبيقية كما هو معلوم مرتبطة بظروف وملابسات الواقع وبالإمكانات فيصبح في وسع المسلمين استعارة بعض هذه الآليات والأدوات التنفيذية من غيرهم ما دامت محققة للمطلوب، ولم يكن فيها ما يخالف أحكام الإسلام أو يتسبب في مفسدة وهو ما ينطبق على الآليات الديمقراطية هنا لضبط العملية السياسية في مجتمع مرجعيته الإسلام.
ثم إن للتكامل بينهما مزايا، فالشورى فيها من الاتساع والمرونة ما يوجب أن تستوعب أهم القواعد الإجرائية لتطبيق النظم الديمقراطية عملا في النطاق السياسي، مع احتفاظها بطابعها الاجتماعي الناتج عن شمولها، واحتفاظها بعمق جذورها في مجتمعنا نتيجة تبعيتها للعقيدة والتزامها بالشريعة. والهدف من التكامل هو مقاومة كل تعطيل لحرية الرأي والتصويت وسد الثغرات التي تمكن المستبدين من تزييف إرادة الجماهير بالتزوير أو الضغط الإداري أو التضليل الإعلامي أو الفساد الأخلاقي، وتمكين كل منهما من الاستفادة من بعض مزايا الأخرى.
والديمقراطية من حيث الأشكال والتنظيمات والآليات في المجال العام وجدت من العناية والتطبيق والتطوير ما قصرت عنه بكثير ممارسة الشورى لدى المسلمين فظلت مبدأ دينيا ولم تتحول إلى مؤسسة سياسية راسخة. ويلاحظ كون الشورى إنما تحتاج الديمقراطية في اقتباسات وتجارب شكلية وإجرائية في الضبط والتنظيم، بينما الديمقراطية بحاجة إلى الشورى لمعالجة بعض آفاتها البنيوية وأدوائها الجوهرية من قبيل:
- الشروط الأخلاقية في المرشحين وتقييد الدعاية الانتخابية: فالمرشحون لتمثيل الأمة يجب أن يكونوا معروفين بالأخلاق الفاضلة والسلوك المستقيم بالإضافة إلى الخبرة بالشئون العامة والكفاءة والأمانة، ولا يكفي خلو صحيفة المرشح من الجرائم المخلة بالشرف وغيرها من الأمور السلبية. ولابد من إيجاد طريقة للإفادة من التوجيهات الإسلامية في هذه المجال.
- الوازع الديني الداخلي: إذ يهتم الإسلام بتكوين الضمير الحي عند الإنسان وذلك أن رقابة الضمير خير ضمان لنجاح التشريعات المختلفة في ميدان التطبيق. بينما لا نرى مثل هذا الاهتمام من قبل الديمقراطية المعاصرة، إذ يكاد جل اهتمامها ينحصر في وضع الضمانات الخارجية. وكما أن للشورى أن تفيد من هذه الضمانات الخارجية، فإن للديمقراطية المعاصرة أن تفيد من رقابة الضمير.
قواعد ومقاصد:
حتى نضمن الاستمساك بنهج الشورى بغض النظر عن الأشكال والآليات التي اعتمدت في التطبيق فإننا محتاجون للوقوف على مبادئ الشورى ومقاصدها، بوصف ذلك ضابطا يمنع التعسف والشطط في الممارسة ويحول دون القصور والانحراف في التنفيذ. وأهم تلك المبادئ:
المبدأ الأول: حق الشعب في أن يختار بالشورى حاكمه بحرية كاملة لا يشوبها إكراه أو تزوير، وأن يشاوره هذا الحاكم –عبر ممثليه المنتخبين- ولا ينفرد بصناعة القرار إلا في حدود ما يحدده له الدستور الناظم للعلاقة بين الحاكم والمحكومين.
المبدأ الثاني: الشورى قيمة شرعية مجتمعية لا سياسية فقط؛ ذلك أن التوجه العام لنصوص الشرع هو السعي نحو التعميم والتوسيع، في مجلات الشورى وفي من يستشارون، وما خرج عن القاعدة إنما يخرج استثناء لوجود عسر أو تعذر أو لتحقق الكفاية ببعض دون بعض، أو لوجود قضايا تخصصية لا يصلح لها ولا ينفع فيها إلا أهلها، أو دفعا لمفسدة ظاهرة كما في أوقات الحروب وفي المسائل المتعلقة بالأمن والأسرار التي تقتصر الشورى فيها على أصحاب الاختصاص وذوي الخبرة.
المبدأ الثالث: يجب النظر في الشورى إلى الحقائق والغايات والحذر من الانشغال بالوسائل والأشكال، وذلك أنها منهج إسلامي يتغيا مصالح الأمة والمجتمع. وقد أوصل الدكتور أحمد الريسوني في كتابه "الشورى في معركة البناء" مقاصدها إلى عشرة هي:
1. الوصول إلى الصواب والأصوب: فقد لا تكون المشاورة لتمييز الصواب من الخطأ، ولكنها قد تكون من أجل الموازنة والمفاضلة بين الصواب والأصوب، وبين الحسن والأحسن.
2. الخروج من الأهواء والمؤثرات الذاتية: فلكل إنسان نصيبه من الهوى قل أو كثر، ولكل أحد أحواله وميوله النفسية، ولكل شخص اعتباراته الذاتية، سواء كانت دوافع أو موانع.. والمخرج من كل ذلك هو الشورى.
3. منع الاستبداد والطغيان: وهذا من أعظم مقاصد الشورى وفوائدها، فالشورى نقيض الاستبداد، إذا حضرت الشورى غاب الاستبداد، وإذا غابت الشورى حضر الاستبداد.. فالاستبداد داء والشورى وقاية ودواء.
ويصحح الريسوني في هذا المقصد إلصاق الاستبداد بالحكام فقط ويقول: "الاستبداد ليس خاصا بالحكام والأمراء والزعماء، فهناك الزوج المستبد والأب المستبد والمفتي المستبد.. وكل صاحب سلطة سياسية أو إدارية أو علمية أو اجتماعية يمكن أن يصبح مستبدا إذا ترك الشورى"([7]).
4. تعليم التواضع: فالشورى تعلم صاحبها أنه محتاج لغيره وإلى ما عند غيره.. فهي تكسر نزعة الاستغناء والاستعلاء والاستنكاف عن مشاورة الغير والاستفادة منه.
5. إعطاء كل ذي حق حقه: فمشاورة أصحاب أي أمر (أمرهم شورى بينهم) أو من ينوبون عنهم، وأخذ رأيهم بعين الاعتبار هو إنصاف لهم وإحقاق لحقهم، كما أن التصرف في حقوق الناس منوط بموافقتهم أو بإذنهم أو بتفويضهم وتوكيلهم.
6. إشاعة جو الحرية والمبادرة: فالشورى أولا وقبل كل شيء حرية في التفكير وحرية في التعبير الصادق الأمين، والشورى إذا أفرغت من حرية التفكير والتعبير أصبحت مجرد ملهاة أو مجرد مناورة على وزن مشاورة.
7. تنمية القدرة على التفكير والتدبير: فالشورى مدرسة للتربية والتعليم والتدريب والتأهيل، فهي تتيح لجميع المستشيرين والمستشارين فرصة عملية ودروسا تطبيقية لتنمية ملكاتهم الفكرية وخبراتهم الميدانية.
8. تقوية الاستعداد للتنفيذ والتأييد: فالقرارات والتكاليف والتدابير التي تنبثق عن تشاور وتراض، وتكون على قدر كبير من التوازن والموضوعية، يتلقاها الناس عادة بالحماس والرغبة في تنفيذها وإنجاحها وتحمل متطلباتها، بخلاف القرارات الانفرادية الاستبدادية.
9. تحقيق الألفة والمحبة: فالشورى تعطي أعلى درجات المشروعية والمصداقية للولايات العامة ومن يتولونها وما يصدر عنها من اجتهادات وقرارات، وهذا ما يحقق عادة درجات عالية من الرضا والاطمئنان.
10. تحمل التبعات السيئة: في حالة القرار الشوري والتدبير الجماعي يكون المسئول ومن معه قد فعل ما يجب عليه وتحرى ما يمكن تحريه.. وبهذا يحس الناس أنهم - بشكل أو بآخر - كلهم قد شاركوا في اتخاذ القرار، وكلهم مسئولون عنه وعن تبعاته.
خاتمة:
تلك هي الشورى: نظام متكامل ونطاق شامل، ينتظم الدولة ويصلحها ويبعد عنها القلاقل والتداعي من داخلها، ويصلح المجتمع ويصالحه مع دينه وذات بينه ويهديه إلى أقرب سبيل لمصالحه، كما يهذب الفرد ويؤدبه، ويشعره بدوره في الشأن العام وحقوق مجتمعه وجماعته عليه، كما أن الشورى تستوعب وتؤطر المستجد من النظم السياسية والإدارية مفيدة ومستفيدة.
لكنها تظل مع ذلك قواعد وقضايا نظرية تحتاج من يتربون عليها ويربون، ويعطون القدوة والمثال الحسن في فن إنشاء المشورة الموفقة وحسن التعبير عنها عند الاقتضاء، ثم يجيدون القبول بنتائجها حين تأتي مخالفة للهوى والرأي الشخصي دون صخب باللسان ولا حرج في القلب، "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين".
إبرازات:
- فالشورى فيها من الاتساع والمرونة ما يوجب أن تستوعب أهم القواعد الإجرائية لتطبيق النظم الديمقراطية عملا في النطاق السياسي، مع احتفاظها بطابعها الاجتماعي الناتج عن شمولها، واحتفاظها بعمق جذورها في مجتمعنا نتيجة تبعيتها للعقيدة والتزامها بالشريعة
- يهتم الإسلام بتكوين الضمير الحي عند الإنسان وذلك أن رقابة الضمير خير ضمان لنجاح التشريعات المختلفة في ميدان التطبيق. بينما لا نرى مثل هذا الاهتمام من قبل الديمقراطية المعاصرة
- التوجه العام لنصوص الشرع هو السعي نحو التعميم والتوسيع، في مجلات الشورى وفي من يستشارون، وما خرج عن القاعدة إنما يخرج استثناء لوجود عسر أو تعذر أو لتحقق الكفاية ببعض دون بعض
- الشورى نظام متكامل ونطاق شامل، ينتظم الدولة ويصلحها ويبعد عنها القلاقل والتداعي من داخلها، ويصلح المجتمع ويصالحه مع دينه وذات بينه ويهديه إلى أقرب سبيل لمصالحه، كما يهذب الفرد ويؤدبه، ويشعره بدوره في الشأن العام وحقوق مجتمعه وجماعته عليه
----------------------------------
[1]) ابن عطية، المحرر الوجيز، ج2 ص35
[2]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج4 ص250
[3]) عبد الوهاب خلاف، السياسة الشرعية في الشئون الدستورية والخارجية والمالية، ص34
[4]) محمد مختار الشنقيطي، السنة السياسية في بناء السلطة وأدائها، ص13
[5]) ابن خلدون، العبر، ج2 ص120
[6]) ابن خلدون، العبر، ج2 ص88
[7]) أحمد الريسوني، الشورى في معركة البناء، ص40