يتحدث الشيخ محمد الأمين ولد مزيد العضو المؤسس في الحركة الإسلامية الموريتانية وأهم شخصية قادت الحركة في أهم فتراتها مع مطلع تسعينيات القرن حيث انتخب أميرا للحركة في مؤتمر الاندماج الذي عقد في العام 1990 والذي كان أهم مؤتمر في تاريخ الحركة فيما بعد.
ويكشف الشيخ الذي واكب البدايات الأولى لنشأة التنظيم السري مطلع السبعينيات معلومات تنشر لأول مرة عن ظروف النشأة وطبيعة التنظيم الإسلامي الذي أنشأه مع مجموعة من إخوانه وعن أهم الشخصيات التي تعاقبت على قيادة الحركة وكان لها تأثير بارز في مسيرتها والمراحل التي مر بها التنظيم إلى اليوم.
محظرة الإمام بداه رباط النشأة
يقول الشيخ محمد الأمين ولد مزيد إن الإرهاصات الأولى لتأسيس الحركة الإسلامية في موريتانيا بدأت مع مطلع السبعينيات وذلك عندما تبلورت الفكرة لدى مجموعة من الشباب لا يتجاوزون ستة أفراد، كان هو أحدهم، جميعهم من طلاب محظرة الإمام بداه ولد البوصيري في مقاطعة لكصر من المتأثرين بكتب المرشد الأول لجماعة الإخوان بمصر حسن البنا، وأبي الأعلى المودودي مؤسس الحركة الإسلامية بباكستان، وعبد القادر عودة، وسيد قطب، ومحمد قطب.
ويضيف ولد مزيد إن سبب توافر هذه الكتب كان نتيجة لعدة عوامل من بينها: افتتاح بعض المكتبات وعودة بعض الطلاب من المشرق العربي وهم يحملون معهم هذه الكتب. وقد قرأ الشباب المتحمسون في نواكشوط هذه الكتب بلهفة وشغف فشحنتهم وعبأتهم وحركتهم فانطلقوا يدعون ويحاورون ويكسبون للدعوة.
ويضيف ولد مزيد إن فكرة التغيير والثورة على الواقع انطلقت من محظرة الإمام بداه ولد البوصيري فقد كان اتجاه لمرابط بداه الإصلاحي ومنهجه التغييري البداية الأولى التي غرست في نفوس الشباب المؤمنين ضرورة السعي للتغيير. وهكذا طفق الشباب يطرقون الأبواب لشرح فكرة لما تتبلور بعد مؤداها الدعوة إلى الإسلام والتصالح مع الذات، ويذكر الشيخ أن الشباب في تلك الفترة كانوا ذوي طموح كبير فقد حرصوا على الكسب النوعي فالشيخ بداه إمام العصر في موريتانيا كان مستهدفا بهذه الدعوة التي يقودها شباب من تلامذته فقد كانوا يقرأون عليه كتب الإخوان المسلمين ويتدارسون معه بعضها.
ولا ينسى الشيخ سنة 1973 يوم ورد الإذاعة بإيعاز من بعض عناصر الحركة سؤال في برنامج بريد المستمعين الذي يقدمه أحد عناصر المجموعة فيما بعد، هو الحسن ولد مولاي أعل، الذي كان يستضيف العلامة محمد سالم ولد عدود يتعلق بالحكم بالقانون الوضعي في بلد مسلم، وبتحكم النصارى في جمهورية إسلامية. وقد أحيل السؤال إلى الشيخ محمد سالم بن عبد الودود نائب رئيس المحكمة العليا آنئذ، فأجاب بوضوح على هذا السؤال في برنامج بريد المستمعين وذكر كلام العلماء في هذا المجال. وقد ثارت ثائرة الحكومة على معد البرنامج الذي دافع عن نفسه بأنه حمل السؤال إلى مسؤول مؤهل للجواب على السؤال وأنه لا يتحمل أي مسؤولية في مضمون الجواب، لكن الحكومة طالبت بإقالة المذيع بيد أن مدير الإذاعة يومئذ محمد محمود ولد ودادي لم يقم بإقالته، وتمسك به لكفاءته، واكتفى بتقديم استفسار له.
لقد كانت هذه الفتوى ـ يقول ولد مزيد ـ مساعدة للشباب لا تقدر بثمن، حيث كان الشباب يركزون على موضوع وجوب الحكم بما أنزل الله وأن التشريع والتحليل والتحريم من حق الله وحده. كما يستذكر أنه هو شخصيا راسل الشيخ محمد سالم ولد عدود بأبيات شعر يستحثه فيه على ضرورة تصدر الركب و إرشاد الجموع الحيارى، فيقول :
أسالم هذي جموع حيارى *** تحت حكم الضلال ظلوا أسارى
نام إسلامهم فأقمه فيهم *** وخبت ناره فأشعله نارا
ويضيف ولد مزيد إن جهود الشباب في التركيز على هؤلاء المشائخ وإن لم تنجح في ضمهم إلى صف الحركة الإسلامية يومها فقد ظلت ذات تأثير بالغ عليهم وكنا نعتبر أن جهودهم تخدم الدعوة الإسلامية.
الاهتمام الإعلامي المبكر
بيد إن التحول الأبرز في تاريخ تأسيس الحركة هو سرعة الاهتمام بالإعلام، فلئن كانت محظرة بداه ولد البوصيري مقر انطلاق النواة الأولى للحركة الإسلامية فإن "الإذاعة الوطنية" تعتبر المنطلق التأسيسي الثاني والأهم، الذي ساعد الإسلاميين، يقول ولد مزيد على توصيل خطاب أكبر من حجمهم في تلك الفترة، فمن الإذاعة اكتسبت الحركة الإسلامية الناشئة أهم شخصيتين في تاريخها في تلك الفترة تواليا على قيادة الحركة في مراحلها الأولى فمنها اختير أول قائد للتنظيم الجديد، هو مذيع بالفرنسية يعمل متعاونا في الإذاعة كما يعمل في نفس الوقت موظفا مصلحة السينما التابعة لوزارة الثقافة والإعلام، وقد كان شابا مثقفا ثقافة عصرية ونشطا وقد كان له دور بارز في مسيرة العمل الإسلامي.
وعن بداية التعرف على هذا الشاب الذي سيصبح فيما بعد أول أمير منتخب للتنظيم يقول ولد مزيد: "ذكر لنا أنه في الإذاعة شاب مثقف ثقافة عصرية، وملتزم دينيا، ويحافظ على الصلاة، حيث يحتفظ بسجادة للصلاة في الإذاعة، وصاحب أخلاق عالية فقررنا الاتصال به لمحاولة كسبه" وهو ما حدث بالفعل سنة ثلاث وسبعين لكن الصفات القيادية التي كان يتحلى بها الرجل قادته في أقل من لثلاث سنوات ليصبح الأمير الأول للمجموعة يتحدث ولد مزيد عن تلك اللحظة فيقول:
وفي بداية السنة الدراسية سنة 76 – 77 انعقد لقاء بين الظهر والعصر في منزل محمد يحيى ولد بباه في لكصر، وانتخب محمد الأمين ولد عبد الرحمن الشيخ أميرا أولا للتنظيم وقد اقترح عليهم اسم (قيادة المجاهدين في سبيل الله).
وقد انعقد مؤتمر شبه تأسيسي في منزل يؤجره محمد الأمين ولد عبد الرحمن الشيخ سنة 1978 وكان الحضور أقل من عشرين وانتخبوا محمد الأمين المذكور أميرا بالانتخاب المباشر. ومن بين الحضور: محمد الأمين ولد عبد الرحمن الشيخ، وبوميه ولد بياه، ومحمدي ولد خيري، ومحمد عالي ولد زيد، ومحمد يحيى ولد بباه، وأحمد ولد سيد محمد...
أما الشخصية الثانية فلم يكن سوى مذيع في الإذاعة أيضا ومقدم برنامج بريد المستمعين الحسن ولد مولاي أعلي، الذي ارتبط بالمجموعة آخر سنة 1977 وكان قد حج تلك السنة وكان رئيسا للوفد الإعلامي في بعثة الحج وكان في ذلك الوقت مديرا للبرامج وقد غطى الحج تغطية أعجب الشباب بها، فاتصلوا به بعد عودته من الحج فانضم إلى الركب، وكان له دور بارز في العمل الإسلامي بعد ذلك سواء في الحركة الإسلامية أو في الجمعية الثقافية الإسلامية أو في غير ذلك.
فكر الغزالي يواكب التأسيس
بعد اللقاء التأسيسي الذي يعتبره الشيخ محمد الأمين ولد مزيد الأول للحركة الإسلامية الذي انعقد في منزل القيادي بالتنظيم محمد يحي ولد بباه في بداية السنة الدراسية سنة 76 – 77 بين الظهر والعصر، وانتخب محمد الأمين ولد عبد الرحمن الشيخ أميرا وقد اقترح عليهم اسم (قيادة المجاهدين في سبيل الله). أجرت الحركة بيتا في لكصر قريبا من إدارة البيطرة ثم رأى الشباب بعد ذلك أن المكان غير مناسب فأجروا بيتا في مدينة قرب المقر المركزي لقيادة الحرس الوطني المعروف شعبيا بـ"كارت الكرد".
وفي هذه الفترة كان منزل الشيخ محمد الأمين ولد مزيد في لكصر أحد المقرات الهامة التي كانت تعقد فيه لقاءات قيادية بين أفراد المجموعة حيث كان يسمى دار الأرقم بن أبي الأرقم تيامنا بدار الدعوة الأولى في مكة.
وفي بداية سنة 1977 جاء وفد من "رابطة العالم الإسلامي" ضم صفوت السقا ومحمد المبارك. وقد ألقى محمد المبارك محاضرة بعنوان (الإسلام وبناء المجتمع الحديث) في دار الحزب
وكانت محاضرة شاملة جاءت في الوقت المناسب، فتحدث عن اليهودية والنصرانية والبوذية والماركسية والقومية، وتحدث عن فشل القومية في مواطنها الأصلية في ألمانيا وفرنسا، وتحدث عن اندحار الماركسية والتعديلات التي طرأت عليها. وكان لهذه المحاضرة ـ يقول ولد مزيد ـ أثر بالغ وأعطت دفعا قويا للتنظيم الناشئ.
وفي صيف سنة 1977 كانت مدينة نواكشوط مقرا للقاء نظمته رابطة العالم الإسلامي للدعاة في أفريقيا دام أسبوعا، وقد حضر هذا اللقاء الشيخ محمد الغزالي القيادي في حركة الإخوان المسلمين المصرية، وعبد الصبور مرزوق، والدكتور عمر فروخ، والشيخ أبو بكر الجزائري، وعلى هامش هذا الملتقى كانت تلقى محاضرات وتقام حوارات وكان الشباب يتدخلون ويبدون آراءهم. وقد استطاع الشباب أن يحصلوا على أغلب المحاضرات بواسطة أحد الدعاة الذين تعرف عليهم أحد أعضاء الحركة النشطين. وقد أعطى هذا الملتقى دفعا قويا للعمل الإسلامي والحركة الإسلامية الناشئة ويذكر ولد مزيد أن هذا الملتقى واجه مشاغبات من الحركات السياسية المناوئة.
أول معتقل في صفوف التنظيم
وحدث ذات مرة أن كانت هناك ندوة بعنوان (جسور الإلحاد) وتحدث في هذه الندوة الشيخ محمد الغزالي، وأشار إلى كتابه (الإسلام في وجه الزحف الأحمر) كما تحدث الشيخ أبو بكر الجزائري وكان معقبا، عن (الأيدي التي بنت جسور الإلحاد) وهنا تدخل أحد خصومهم – يتحفط مزيد على ذكر اسمه – مداخلة اعتبرها الشباب حينها مستفزة ذكر فيها أن الخلاف ليس بين الإسلام والكفر وإنما هو بين الرجعية والتقدمية، وصب جام غضبه على السعودية واعتبرها دولة رجعية.
واعتبر محمد محمود ولد مزيد شقيق الشيخ محمد الأمين هذا التدخل مشاغبة موجهة إلى العلماء والدعاة، فانتظر حتى نزل الشاب عن المنصة فصفعه بقوة. فتدخلت الشرطة وقبضت الشرطة على الشابين ووضعتهما في السجن وحققت معهما، وكان المحقق هو عبد القادر ولد أحمد المجلسي، ثم أطلق سراح الشابين.
القيادات السرية للحركة
وفي سنه 1979 انعقد مؤتمر الحركة في منزل الحسن ولد ملاي اعل في المقاطعة الخامسة (السبخة) وحضره جمع غفير، وكان الحاضرون مناديب وتم انتخاب الحسن ولد ملاي اعل أميرا للتنظيم، ليصبح ثاني شخصية تتولى قيادة التنظيم الناشئ.
كانت مؤتمرات الحركة تعقد سنويا وتوالى على قيادتها منذ تلك فترة بالإضافة إلى محمد الأمين ولد الشيخ: الحسن ولد مولاي أعل، محمدي ولد خيري سنة 80 ، وبوميه ولد ابياه 81 ، ومحمد الحبيب ولد أحمد 82 ، وبوميه ولد ابياه مرة أخرى1983 . وخلال عقد الثمانينات حدث تطور مهم في التنظيم حيث تم تأسيس "تنظيم الإسلاميون" وهو محاولة من الحركة الإسلامية الأم للاستفادة من طاقات الشباب في العمل الإسلامي الذي توسع توسعا عجزت الحركة بأفرادها المحدودين عن إدارته وتوجيهه وترشيده فضلا عن التحكم فيه وتسييره في المسار الذي تريد.
وفي سنة 1984 انعقد مؤتمر جديد وانتخب محمد فاضل ولد محمد الأمين أميرا للحركة، وتقرر أن ينعقد المؤتمر كل خمس سنوات وانتخب إلى جانب الأمير مكتب تنفيذي، وهو الذي يدير العمل، ويشترط في أفراده أن يكونوا في العاصمة نواكشوط ، وهو الجهاز التنفيذي الفاعل ويرأسه الأمير بالإضافة إلى مجلس الشورى الذي يقر القوانين ويصادق على الخطط.
التأسيس الجديد وترتيب الأولويات
يقول ولد مزيد: ولحل الثنائية التي كانت قائمة بين تنظيم (الإسلاميون) والتنظيم الأم، ولتوحيد العمل الإسلامي، ولصهر كل التوجهات في عمل واحد انعقد في يونيو سنة 1990 مؤتمر جامع وتم تأسيس حركة إسلامية باسم جديد هو "الحركة الإسلامية في موريتانيا"، وصار للإسلاميين جميعا تنظيم واحد يوحد كلمتهم، وانتخب محمد الأمين ولد مزيد أميرا له. وقد انبثق عن هذا المؤتمر مجلس شورى ضم أهم الفاعلين في مجال العمل الإسلامي.
بعد ذلك بسنة ونصف ـ يقول ولد مزيد ـ تبين أن هناك اختراقا كبيرا من السلطة وهو ما دعا إلى عقد مؤتمر طارئ تمت دراسة وافية وغربلة دقيقة لأسماء المشاركين فيه وتطلب ذلك جهودا مضنية. وتم الإعداد بشكل جيد. وعقد المؤتمر في ظروف متميزة وصدرت عن المؤتمر وثائق مهمة وتقرر ترتيب الأولويات، وكانت الأولوية في تلك المرحلة التربية وإحكام التنظيم، وتقرر التخفف من العمل السياسي فكان مؤتمرا ناجحا بالمرة- يقول مزيد- وتحقق فيه كثير من الاحتياط ، ولعل ذلك كان سببا في الاهتمام الزائد بمتابعة الحركة وإعداد الخطط للاعتقالات التي تمت بهذا الشكل الواسع لأول مرة في تاريخ الحركة الإسلامية في موريتانيا.
قصة السجون ونهايات العمل السري
وحول اعتقالات 1994 يضيف ولد مزيد تمت الاعتقالات في 25 سبتمبر 1994 وكانت اعتقالات واسعة النطاق وخطط لها تخطيطا كبيرا، وصودرت فيها الكتب والأشرطة والأجهزة والممتلكات، وحصل فيها ما لم يحصل بعد الستينات من إذاعة ما اعتبرته أجهزة النظام اعترافات. وكعادتها مع أي اعتقالات سياسية شنت وسائل إعلام النظام حينها حملة واسعة ضد الإسلاميين لإقناع الرأي العام بصواب ما أقدمت عليه من اعتقالات وقد أبانت هذه الحملة عن جهل كبير وغباء شديد، وكمثال على ذلك فقد اعتبر إعلام السلطة أن من وسائل الإدانة وجود مذكرة في علم الإدارة تتعلق بالتخطيط والرقابة !!
وفي (1997) قررنا بدأ الانفتاح المتدرج والخروج من السرية من خلال تعميق البناء المؤسسي للحركة واعتماد اللامركزية الممنهجة. وهو ما أدى للحضور المؤثر للحركة في الشارع الذي أزعج النظام ومواليه في الداخل والخارج مما أدى لاعتقالات 2003 والتي مثلت أكبر حملة اعتقالات في صفوف الحركة منذ نشأتها وقد قرر المسؤولون في الحركة بعد وضوح خطة النظام في القضاء على الحركة الإسلامية الوقوف بقوة ضد توجهات النظام والتصعيد في اتجاه الصدام فكانت مرحلة المغالبة التي توجت بسقوط نظام ولد الطايع في 3\ 08 \ 2005.
بعد ذلك وفي ظل التحول الجديد في المرحلة الانتقالية قرر الإسلاميون تشكيل مبادرة سياسية وصهر كل جهودهم وطاقاتهم داخلها فكانت مبادرة الإصلاحيين الوسطيين التي حققت نتائج معتبرة في الانتخابات النيابية والبلدية في تلك الفترة. ثم بعد ذلك يقول ولد مزيد حصل الإسلاميون على ترخيص حزب خاص بهم ليواصل الإسلاميون المسيرة من خلال إطار شرعي علني و لتنتفي آخر مبررات وجود العمل السري فالناس إنما يلجأون إلى السرية اضطرارا وليس اختيارا.
رفض الخارج تمويلا وتنسيقا
يقول الشيخ محمد الأمين ولد مزيد إن الحركة الإسلامية التي أنشأها مع بعض إخوانه تتميز عن باقي الحركات الإخوانية الأخرى في العالم بأنها نشأت محليا، فالمنهج السائر في الحركات الإسلامية عند التأسيس هو أن تبعث الحركة من مصر أو من دولة أخرى من يشرف على تأسيس حركة إسلامية في أي من الأقاليم العربية لكن في موريتانيا يضيف ولد مزيد حدث العكس فقد تأسست الحركة الإسلامية في موريتانيا ونشأت كما تنشأ الحركات الوطنية الأخرى محليا دون ارتباط بالخارج.
هذه الميزة ظلت ترافق الحركة الناشئة بعقدة الرفض المطلق الخارج ويذكر ولد مزيد أن جميع القادة المؤسسين كانوا مجمعين على أمرين هما الرفض المطلق للإنتماء لأي حركة خارجية أيا كانت ورفض المال الخارجي بشكل كامل، ويذكر أن أول مال من الخارج حصلت عليه الحركة من الخارج كان في نهاية كان عن طريق أحد أفراد المجموعة يدعى الذي كان موجودا في الخارج فاتصلت به إحدى الجماعات الإسلامية وأرسلت معه مبلغا من المال لا يتذكر ولد مزيد قدره اليوم لكنه كان مبلغا حسب تقديره مهما ولما حضر به الشاب في كتاب مغلف أخبر "الإخوة" فكان أن تسبب في مشاكل كبيرة يقول ولد مزيد. وفي سنة 1976 سافر ولد مزيد إلى السعودية للدراسة فالتقى بالإخوان هناك والذين ألحوا عليه بالانضمام لهم لكنه ظل يرفض ويؤكد لهم أن الخصوصية الموريتانية تمنعه من ذلك.
الدعوة من المنشورات إلى الجمعية
اهتم الشباب الإسلاميون باكرا بالنشر وصدرت المنشورات الدعوية أحد وسائل الدعوة فيذكر ولد مزيد أنه في سنة 1974 وجد نشاط دعوي بسيط يتمثل في نشرة يومية استمرت أكثر من ثلاثة أشهر بعنوان (نصيحة اليوم) كانت تكتب باليد وتوزع في محظرة الإمام بداه. وكانت هناك نشرة أخرى بعنوان (مع المسلم) كان يعدها ولد مزيد بنفسه ويوزعها في محظرة بداه وصدر عددها الأول في 10/ مارس 1974 وقد جاء فيه ما يلي: "أيها المسلم هل أنت راض بهذه الأوضاع في بلدك؟ هل أنت مطمئن إليها؟ هل تراها ضربة لازب لا انفكاك عنها. هل تراها موافقة للإسلام؟ هل ترى الله يرضى عنها؟ إذا كان الجواب لا، فلم لا تتحرك لتغيير هذه الأوضاع الفاسدة؟
لم لا تتحرك لتجتث شجرة هذا الفساد من جذورها ...." إلى آخر هذه الأفكار الثائرة التي تريد أن تجتث شجرة الفساد.
ومع مطلع الثمانينات أنشئت الجمعية الثقافية التي كانت الإطار الأول للعمل الدعوي العام في موريتانيا، وعن ظروف تأسيس هذه الجمعية يقول ولد مزيد إن أحمد ولد عبد الله وهو رجل متدين ومعروف بالقوة في الحق كان يعمل مترجما في الرئاسة الموريتانية، ولم يكن من الإسلاميين لم يكن بعيدا من هذا القرار بل ربما كان هو من أوعز إلى السلطات بضرورة إنشاء الجمعية كما أن الدولة لم تكن بعيدة من القرار بهدف امتصاص الثورة وأجوائها التي كانت موجودة في ذلك الوقت في جمعية معروفة تسهل مراقبتها والتحكم فيها، وقد شارك الإسلاميون في تأسيس هذه الجمعية و إن ظل ملف التمويل بيد بعض التجار بالإضافة إلى الإدارة والتمثيل الرسمي بينما كان يمثل الإسلاميين فيها القيادي الحسن ولد مولاي أعلي، واستفاد الشباب من الجمعية في نشر الدعوة من خلال الفروع المنتشرة في ربوع الوطن بالإضافة إلى البعثات التي كانت توجه للخارج، ويقول ولد مزيد إنه رغم التباين بين قيادة الجمعية القريبة من النظام وبين الشباب الإسلاميين لم تكن تحدث مشاكل إلا في أيام الحملات حيث كانت قيادة الجمعية تصدر بيانات تدعم النظام وهو ما كان يغضب الشباب.
ونظرا للدعم الذي حظيت به الجمعية من الرئيس محمد خون ولد هيدالة في مرحلة من مراحل حكمه فقد كانت موضع ترحيب كبير من الولاة والحكام وكانت مقبولة عند كثير من الشيوخ والوجهاء وقد توسعت أنشطة الجمعية بعد ذلك فضمت نادي مصعب بن عمير لرعاية الشباب ونادي أم المؤمنين عائشة وبدأت البلاد تعرف المخيمات الشبابية الإسلامية وبدأت الدعوة الإسلامية تجرب وسائل جديدة لا عهد لها بها.
العمل السياسي من المهادنة إلى المغالبة
ظهر الاهتمام السياسي لدى المجموعات الإسلامية المنتظمة باكرا فمنذ السنوات الأولى للتأسيس بدأ الإسلاميون يحرصون على إبداء آرائهم تجاه مجمل القضايا الوطنية عبر بيانات ومنشورات وحوارات كانوا يحرصون على تنظيمها.
وفي سنة 1977 انعقد مؤتمر الشباب في حزب "الشعب" وقد مثل الإسلاميين فيه محمد ولد المحبوبي، وعثمان ولد الشيخ أبي المعالي، وبوميه ولد ابياه، والمصطفى ولد حبيب، وقد نسقت فيه مريم زوج المختار ولد داداه مع الكادحين، وتم تعيين التجاني ولد كريم أمينا عاما.
ونسق الإسلاميون مع الناصريين ولم يعترفوا بالنتائج غير أن الناصريين عادوا فاعترفوا بالنتائج بعد شهر وحدث في هذا المؤتمر أن أمير التنظيم "محمد الأمين ولد الشيخ" كان يترجم ترجمة فورية في مؤتمر الشباب هذا فتدخل تدخلا شديدا ضد مريم زوج الرئيس حيث كان يعمل في وكالة السمعيات والبصريات التابعة حينئذ للوكالة الموريتانية للأنباء مساعدا لولد السالك الذي توفي مع ولد بوسيف في حادث سقوط الطائرة.
وبعد قرار المختار ولد داداه تطبيق الشريعة الإسلامية 1978 نظمت الحركة مسيرة تأييد للقرار وقد أصر خطري ولد جدو مدير الإذاعة يومئذ يقول ولد مزيد على أن يتولى التغطية الحسن ولد مولاي أعلي في القسم العربي، ومحمد الأمين ولد عبد الرحمن الشيخ في القسم الفرنسي، وهما عنصرين ناشطين في الجماعة.
كما أيد الإسلاميون قرار تطبيق الشريعة الذي اتخذه الرئيس محمد خونة ولد هيدالة ومع الخطوات الإيجابية التي كان الإسلاميون يقومون بها تجاه الأنظمة الحاكمة حيث أيدوا قراري تطبيق الشريعة في عهدي المختار ولد داداه وولد هيدالة فإن ولد مزيد يتحدث عن وجود ما يمكن أن يسمى مركب نقص تجاه السلطة حيث كان الشباب لا يرون داعيا في أن تربطهم علاقات بالسلطة لذلك ومع الخطوات الإيجابية التي قام بها نظام ولد هيدالة لتلبية العديد من مطالب الإسلاميين فإنهم لم يتمكنوا من ربط علاقات مع نظامه بل كان غاضبا منا يقول ولد مزيد لأسباب اعتبرها تافهة فهو غاضب منا لأننا نتحالف مع البعثيين الذين يعتبرهم خصومه في حين نصر نحن على تحالف على لا يوفر لنا سوى الحفاظ على مقعد في نقابة المعلمين.
وفي سنة 1981 أصدر رئيس الوزراء آنذاك ولد ابنيجارة دستورا رأت فيه الحركة الإسلامية تعديا على حدود الله وخروجا على الشرع وتقليدا للغربيين في صياغته فقرروا معارضته وعبؤوا أئمة المساجد على ذلك. وقد تم إرسال رسالة إلى المقدم محمد خون ولد هيدالة رئيس اللجنة العسكرية للخلاص الوطني رئيس الدولة، تطالب بإجراء تعديلات على مشروع الدستور المنشور في ملحق جريدة الشعب يوم الجمعة 11 صفر 1401 الموافق 19 \ 12 \1980 تتضمن التغييرات التي يراها الإسلاميون ضرورية والتي من أهمها النص على أن الإسلام هو دين الشعب والدولة وشريعته هي المصدر الوحيد لجميع قوانينها. فكل قانون قائم الآن أو سيصدر فيما بعد يجب أن يكون مطابقا لأحكام الشريعة وكل مخالفة أو معارضة لأحكامها تجعل القانون غير دستوري، وكل مسؤول عن اقتراح القوانين (رئيس الحكومة والنواب) أو عن تشريعها (النواب) أو التصديق عليها (الرئيس) أو تطبيقها بين المواطنين (القضاة) أو تنفيذ أحكامها (الإدارة) يجب أن يكون مسلما ملتزما لأحكام الإسلام وكذلك الحال بالنسبة لأعضاء المجلس الدستوري الذي يجب أن يوسع حتى يكون ثلث أعضائه على الأقل من العلماء.
وفي العام 1982 يقول ولد مزيد شارك الإسلاميون في مؤتمر الطلاب الذي انعقد وقدموا ورقة تضمنت كثيرا من الوعي والمرونة والاعتزاز بالانتماء إلى الإسلام وقد شارك الإسلاميون في المكتب التنفيذي المنبثق عن هذا المؤتمر. وظل للطلاب الإسلاميين حضور متميز في اتحاد الطلاب إلى أن حل الاتحاد في سنة (1986). وفي هذا العقد نجح الإسلاميون في الحصول على نقابة التعليم وظل بوميه نقيبا للمعلمين ممثلا للإسلاميين أكثر من عقد من الزمن.